ماذا نريد من رمضان وماذا يريد منا..؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ..
فها نحن ـ أيها المؤمنون المباركون ـ سوف نستقبل بعد أيام قلائل شهرُ تناثرِ الخيرات، وجني الثمار، وقطف أجمل الأزهار، وجمع الكَمِّ الهائل من الحسنات، والإرتقاء إلى أعلى الدرجات..
إنه شهر رمضان المبارك..!! فماذا نريد مِنْ رمضانَ وماذا يريد رمضانُ منَّا..؟؟
إيها الإخوة الأكارم : إن أحدنا إذا اتسخت يده وتلوثت بأوساخ، فإنه سرعان ما يغسلها ، ويعقمها قبل الشروع في الأكل ، وإذا ما اتسخ ثوبه أو شيء من ملابسه فإنه لا يَخرجُ من بيته ليقابل الناس إلا بعد أن يغسله وينَظِّفُه، وكذلك عمومُ ما يملكه من متاعٍ أو مركوب، فإنه لاشك يتعاهده ويجمِّله ويُنَظِّفُه..
ولكن أيها الأخيار كيف بنا إذا اتسخت قلوبنا بالذنوب والسيئات ، وَتلَطَّخَت نفوسُنا بالمعاصي والزلات ، وأحاطتنا الخطيئات..؟ ما الذي سَيُزيلُها..؟؟ ما الذي سيُنظِّفها ويجَمِّلُها..؟؟ ما الذي سَيُنْجِينا منها..؟؟ ما الذي سيدفع عنَّا ظلمنا لأنفسنا..؟؟
إنه بلا شك أرحم الراحمين ، وأكرم الأكرمين، واسع المغفرة ؛ يوم أن جعل لنا من الأعمال الصالحات مايكفِّرُها ويمحوها ، : ( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم)
وقال: ( إن ربك واسع المغفرة)
فتارة تكون المغفرة في التوبة والإستغفار : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يُصِّروا على ما فعلوا وهم يعلمون * أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم..)
وتارة تكون في الصدقات : (إن تبدوا الصدقات فنِعِمَّا هيَ وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفرُ عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير) . وتارة تكون في مخافة الله بالغيب إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم)
وتارة تكون في الجهاد : (لا يستوي القاعدون من المؤمينَ غيرُ أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما* درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً وكان الله غفورا رحيما) وهي أيضا في الإيمان الصادق والأعمال الصالحة:
( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجرٌ عظيم )
ولله عز وجل ـ أيها الناس ـ أن يصطفي بحكمته ورحمته وعدله من الأعمال ـ سواءً كانت قلبيةً أو حسيةً ـ ما يكفر بها الذنوب، ويرفعُ بها الدرجات ويُثَقِّلُ بها الموازين ، وكذلك لله أن يصطفي من الأيام والشهور ما يُودِعُ فيها نفحاتٍ ومكرماتٍ تتجلى فيها سعة رحمته جل في علاه ...
وها هو شهر رمضان المبارك، إصطفاه الله من بين الأشهر ليكون مائدة كُبرى تتغذى منها الأنفس مما لذ وطاب من سائر الأعمال كبيرة كانت أم صغيرة: ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) فهو على قِصَرِ زمنه، وسرعةِ أُفولِه، إلا أنَّ للأعمال الصالحة فيه لها عِظَمًا وكثرة، وسِعَة مغفرة ..
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه))حسن صحيح
وأخرجا ـ أيضا ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) صححه الألباني .
وهذا ما نريده من رمضان.. إنَّها المغفرةُ للذنوب والخطيئات؛ والتي يريدها كل مؤمن يخاف ذنوبه، التي يراها كالجبل يخاف أن يسقط عليه، وأما المنافق فلا يَهُمُّه وكأنها ذبابةٌ وقعت على أنفه فأبعدها..
فهذا ما نريد من رمضان، وهو الفوزُ بالغفرانِ ورضى الرحمن، وللحصول عليها ـ هو بما يريده مِنَّا رب رمضان ـ أن نلبس ثياب التقوى، يريد منا فقط أن نكون من أهل الطاعات والتقوى، ممن عَمَرَ أوقاته بالطاعات وابتعد عن السيئات والآثام،: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) .
وهذا الذي يريده رمضانُ منَّا، بل لم يكتفي بذلك فحسب، بل قد تهيئت أيامه، وازدانت لياليه، وثمارهُ قد أينعت وَسَهُلَ قِطافها، والجنان أُزلفت وفتِّحت أبوابها، والنيران أُبعدت وُغُلِّقَت أبوابها، والشياطين صُفِّدَت وخُفِّفَ شرُّها، ألا ياباغي الجنة أقبل، ألا ياباغي الحور أسرع ، ألايا هارباً من النار هَلُمَّ إلى نجاتك..
جاء من حديث أبي هريرة كما عند ابن ماجة وصححه الألباني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا كان أول ليلة من رمضان صُفِّدَت الشياطين، ومردة الجن، وغلِّقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفُتِّحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ونادى مناد: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة ).
أيها المؤمنون عباد الله : ماذا نريد من رمضان وماذا يُراد منا إذا بلغناه؟؟
إن ذلك الأمر يبدوا واضحا جلياً في قول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) .
قال بن كثير في هذه الآية : ( يقول الله تعالى مخاطبا المؤمنين من هذه الأمة، وآمراً لهم بالصيام وهو الإمساك عن الطعام والشراب والوِقاع، بنيةٍ خالصةٍ لله عز وجل، لما فيه من زكاة النفوس، وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة، والأخلاق الرذيلة..إلى آخر كلامه رحمه الله ).
فأي خير سيناله العبد أكبرُ وأعظمُ من أن يَصِلَ العبدُ إلى منزلة المتقين..؟ إنه الخير الذي يتمناه عباد الله الصالحون..وأكْرِم بها من منزلةٍ تُقَرِّبُ العبدَ من ربه، وترفَعُ بها مكانته، وتعليَ شأنه في الملكوت الأعلى..وهذه من الحِكَمِ التي من أجلِها شُرِعَ الصوم ولِيُبَيِّنَ أهمَّ ما يُرادُ مِنَّا..
ولقد روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبشِّرُ أصحابه بقدوم شهر رمضان؛ فيقول: جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلُّ فيه الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر؛ من حُرِمَ خيرها فقد حُرِم..) . قال بعض أهل العلم : هذا الحديث دليل على جواز تهنئة الناس بعضهم لبعض بقدوم شهر رمضان..
أيها الناس : لنُمعِن النظر في كلامه صلى الله عليه وسلم وهو يُبَشِّرُ أصحابه في زمنه، وللأمة من بعدهم بهذا الشهر المبارك، فقوله عليه الصلة والسلام: ( فيه تُفتح أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم ) فيه إشارة إلى أمرٍ يريده كلُّ إنسانٍ ويطمع فيه، وهو أن يكون من أهل الجنان وينجو من النيران، ولأنَّ في فتح أبواب الجنان بُشرى خيرٍ، تطمئن لها القلوب الوجلة والخائفة من عذاب الله تعالى، أولئك َ: ( الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) .
وأما في قوله: (وفيه ليلة خير من ألف شهر..) لهُو زيادة تذكير، وعَرضٌ جديد لمن يتسابقون إلى كسب الحسنات في مواطن كثيرة من غير رمضان؛ يريدون رِفعةً في درجاتهم، وتثقيلاً لموازين حسناتهم، فها هي اللحظات والمغانم التي تريدون، شمِّروا عن سواعدكم عَلَّكُم أن تفوزوا بها في ليلة واحدة..
إخوة الإيمان: إن رمضان بهذه الصورة الجميلة، ذاتِ الطابعِ العملي، لَهِيَ منحةٌ عُظمى للمرءِ المسلمِ في أن يُطَهِّرَ نفسه، ويتداركَ ما بقي من عُمُرِهِ إن كان يريد الفوز برضى رب العالمين..
أيها الإخوة الأفاضل..
يا من نِلتم فضل اللهِ وبُلِّغتُم شهر الخيرات والمكرُمات.. أروا الله من أنفُسِكم خيراً في هذا الشهر، وكونوا فيه إلى الخير سبَّاقين، وعن معاصي الله بعيدين، تفوزوا بِرِضى رب العالمين وتكونوا من عباد الله المفلحين، فشهر رمضان شهر جهاد ومجاهدة ومثابرة؛ فيه مجاهدةُ النفس على الصبر والمصابرة على الطاعات، مِثلُ التراويحِ وركعتي الضحى وقراءة القرآن والصدقات وغيرها من الطاعات..
وفيه مجاهدةُ النفس على الصبر عن معاصِي الله، وإرغامها على ترك الذنوب والمحرمات..
إخوة الإيمان : إذا أراد الناس من رمضان نوما وكسلا، أولهوا ولعبا، فنريد نحن أن نجعله شهر عبادة ونشاط وجد واجتهاد..فالخير كل الخير بين أيدينا..
مـــــــــــــــــنـــــــــــــقـــــــــــــــــــــــــول