بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بعد رحيل عاصفة مغبرّة محمّلة بكلّ هموم البشر .. وأوهامهم .. بكلّ ما اقترفوه في حقّ هذه الأرض من إهمال وتدنيس ..
تلبدت السماء بالغيم الأسود .. فاستبشرتُ بهطول المطر ..
ثمّ أتى كعادته مسرعاً يحمل بشائر الخير في سناه .. فنشر ذلك الضوء قويّا متشعباً كشجرة متأصلة الجذور في كبد السماء ..
أتى منادياً على رفيقه أن تعال .. فقد حان وقت الجهر بالبشرى .. إنه زمان الخير فلا تبخل .. اصدح أيها الرّعد بصوت قويّ زلزل قلوب البشر .. وذكّرهم بعظمة من أتى لهم بهذا المطر .. أظهر لهم ضعفهم .. ذكرهم بضآلتهم وأنت تحكي لهم عن كون عجيب التناسق .. وعن طبيعة لم تخلق عبثاً .. فكل مخلوق فيها مهما تعاظم شأنه .. ومهما كبر حجمه وتعاظمت قيمته .. فهو مخلوق مسبّح دائم الذكر لمن سوّاه وأبدعه ..
واستجاب الرعد لنداء البرق .. فأتى مندفعاً بقوة يخبر عن سرّ من أسرار هذا الكون .. ينادى قويّاًُ .. ويصل صوته مجلجلاً يهزّ كلّ قلب ..
واستجابت القلوب المؤمنة .. وراحت تردد في خشوع : ( ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته .... ) الآية
وخشعت المخلوقات .. وبكت السماء فبللت الأرض بقطرات المطر ..
لم تمض دقائق قليلة حتى رأيت الأشجار قد انتعشت برذاذ عذب .. فاستعادت خضرتها ورونقها .. وتبسمت الأرض المبتلة لها بسمة رضا .. فقد ارتوت بعد عطش شديد .. واغتسلت من كلّ شوائبها حتى بدت عروساً حسناء ستزفّ للقمر .. عندما يتوقف هطول المطر ..
وانبعث شذى الأرض عبقاً في كلّ مكان .. فانتعشت الكائنات وتناغمت أصواتها بالتسبيح .. ورحتُ أسمع لغة لم أعهدها من قبل ..
ورحت أردد في قلبي تسبيحاً ما رددته في قلبي من قبل قط !
تسبيح مخلوق رأى في كلّ كائن حوله عابداً مبتهلا
أو خاشعاً متقرباً
مخلوق لم يدخل قبل عالم التأمل في رحابة كون
ولم يطرق بوّابة التفكّر لتفتح له في ليلة ماطرة على اتساعها
ولتستقبله بحفاوة .. ولتغمره بإحساس نديّ
لا يختلف كثيراً عن ذاك الشعور الذي أحسّه وهو يتأمل الشجرة الخضراء حين استردّت نضارتها وحسنها في لحظة
عندما زارتها قطرات نقية فاغتسلت من شوائبها .. وعادت تبهر الرائي .. تخبره بعظمة مبدع خلاّق ..
ووقفت قليلاً أبحثُ عن غيث دائم لاينقطع عن قلبي ..
وتمنيت لو أستحضر مشهد الكون المسبّح في كلّ لحظة ..
تمنيت لو أجعل من عيني آلة تصوير .. أحتفظ فيها بكلّ المشاهد التي أحبّ
وأستدعيها وقتما أردت ..
فلاح لي كنز عظيم أغفلته ..
كنز هو للروح كما الغيث المنهمر .. هو قطرات مطر نقيّة تغسل الهمّ .. وتبدد الذنب .. وتجعلني مخلوقة جديدة .. أولد في كلّ لحظة طاهرة نقيّة ..
كنز به أصلح دنياي .. وأشتري جنتي ..
أو أصطحبها معي .. في داخل قلبي .. أنى سرت أو حللت !
إنه جالب الغيث والخيرات .. وحادٍ لقوافل محمّلة بكنوز الدنيا وما فيها من نعم وأموال .. وبه يثمر شجر الخير والعطايا فيتنعّم المرء بالكرم الإلهيّ .. ويستشعر رضا الله عنه في ذريّة صالحة .. وقوة في إيمان تتناغم مع قوة في بدن !
إن به زاد الدنيا .. وزوادة الآخرة ..
قال تعالى : ( فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا* يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا * )
لقد عرفت أن الروح تتجدد بغيث عظيم .. وأن القلب يرتوي بماء وفير
أوله توبة وندم .. وامتداده على طريق الجنة استغفار ..
أما آن للأرواح الجافّة أن تتطهر ؟ أما آن للأرض اليابسة أن تورق
وللزهور المدفونة داخلها أن تتفتح وتزهر !
أمطري يا سماء القلب إيماناً وعزما ..
اسقِ شعاب الرّوح بقطراتك النديّة ..
ولتصدحي خفقات قلبي بصدق نداء ..
ولتلهجي بحبّ خالد لا يفنى ..
وليكن ديدنك دائـــــــماً وأبداً .....
غفــــــــرانك ربي !
دمتم في حفظ الله ورعايته...