بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
لأنفاس رمضان... عبقٌ لا يُنسى, ودروب الخيْر فيه تمتد بلا انتهاء.
في الصيام نداوة التوحيد, ومدرسة التقوى, وفيه الجهاد الأكبَر والأصغر.. يكون.
وعندما تكاد الأمة تتشرذم أو تضيع:
يُلملم رمضان شملها. ويُعيد زمرة القلب الواحد.
وأيام الصيام تأتي وتذهب, وكأنها حلم..لا نكاد نستقبلها إلا ونودعها..
وريثما نتحدث عن قدوم رمضان, والسرورِ برمضان, وفِقْهِ رمضان..يذهب رمضان.
ولا ندري بماذا نخرج منه:
بتوبة أم غفلة..؟؟
بعودة إلى الله أم شرود..؟؟
واللهُ أعلم هل نُدرك رمضان العام القادم ...أم لا.!؟؟
فاخلَعْ حجاب نفسك عنك..اخلع هواك وارحل بثوب انكسارك, وافتقارك إلى الله.
وتَبَدَّل بعد الغفلة, الأنس بالله..
وبعد البطالة, الصلاح والتقوى..
وبعد مجالس الغفلة والتقصير والمعاصي, مجالس الإيمان..
رمضان أحيا أمة الإيمان..
كثيرون منا لا يكون زادهم منه إلا كثرة المعاصي, وزيادة الغفلة, وتخمة البطون, وكثرة اللهو واللغو والسفاسف..
أفبهذه العزيمة يُستقبل رمضان..؟؟
فكيف أصبح عندك رمضان أيها المسلم..؟؟
نبيك يقوم الليل؛ حتى تتفطر قدماه..يبكي, ولصدره أزيز كأزيز المرجل, من البكاء..
وأنتَ بماذا تمضي الليل...؟؟!
أخشى أن تقول لي:
أقطع الطرق تسكعاً.. أُمضي الوقت لهواً ولعباً..
لا تقل لي ذلك..
وأنتِ يا أختَ الإسلام, كيف أصبح رمضان عندك..؟؟
أخشى أن تكوني قد نسيت أسماء رضي الله عنها.
نسيت نسيبة رضي الله عنها.
نسيت فاطمة بنت محمد رضي الله عنها.
فأصبح همك المطبخ ثم المطبخ ثم المطبخ..ثم لا تملئيْن وقتك إلا غيبة, وأكلاً من لحوم الناس.!!
ويكون أقصى أفقٍ لك..حديثاً الله يهديكاً عن ثيابِ راقصةٍ فاجرة..أو تلهياً بمأساةِ روايةٍ معروضةٍ مُخدِّرة, تسيل لها دموع منك..ما سالتْ لأطفال كأكمام الورود يُذبحون في الأرض .. ولا دماءٍ نازفة في الصومال, ولا كيدٍ خبيث لأهل السودان..ولا إبادةٍ بشعة للمسلمين الأكراد..!!
حتى الدموع جَفتْ في عيوننا أيها الناس..وما ذلك بمستغرَب:
فقد أضاع أكثرُنا العزةَ بالصلاة, فيصلي مثل الأرانب المذعورة..!
وأضاع الهدير الإيماني الجارف لرمضان..
فرمضان ساقية صغيرة, تسدها أصغر أوراق الأشجار المُصفَرة..
وأضاعَ فَهْمَ الإسلامِ لما صوروه له دين زوايا وتكايا, وهو دين كفاح وجهد وجهاد..
من الذي يعطي رمضان حقه من الصيامِ والقيامِ وغضِّ البصَر وحفظ اللسان..فلا تصلح له نفسُه, ويزكو به عمله.. !؟
من الذي يتجرد ويفزع إلى الله, فيُرَدُّ خائباً.. !؟
قال لي أخ مرة:
ما لك ولعبارات الحماس..دعها؛ فلن تأتي بطائل.!!
فقلت له:
إنها ليست بعبارات حماس, بل عبارات صدق, ولماذا تظن كل الناس مثلك, يأتون إلى صلاة الجمعة, رفع عتب, يُغلِقون قلوبهم, ويفتحونها لما تهوى نفوسهم:
فإن تكلم الخطيب عن أمر يعجبهم.. هَشُّوا وبَشُّوا.
أما إن تكلم عن التاجر الغشاش.. أغلقوا أسماعهم. !!
وإن تكلم عن الرشوة..أعرضوا. !!
وإن تكلم عن الجبناء.. سدوا آذانهم. !!
وإن تكلم عن الجهاد.. ارتعدت فرائصهم. !!
فإن تكلم عن نصيحة لحاكم أو مسؤول.. تلفتوا يمنة ويسرة. !!
وإن تكلم عن إصلاح البيوت..أعرضوا. !!
وإن طلب إعطاء الزوجة حقها, والرأفة بها, وعدم ضربها.. وَلْوَلُوا.!!
وإن ذكر مذابح المسلمين في بقاع الأرض.. قالوا: وماذا ينفع الكلام.. ولماذا الكلام..؟ !!
وإن تَحدَّثَ عن آفاق رمضان.. قالوا: ما لتلك الآفاق من سبيل؛ فالأوائل كانوا صحابة..صحابة لرسول الله . !!
ولكل من لا يعرف فائدة الكلام نقول له:
1. إن الجهر بالحق لوحده, أمر مطلوب..
{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ.. } (الحجر: 94)
{لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ.. } (البقرة: 143)
2. من استطاع تغيير منكر, أو إحقاق حق بيده, ضمن الشروط الشرعية..فَعَل, فإن لم يستطع بيده..فبلسانه, ولا يجوز الانتقال إلى القلب إلا إن عجز عن الأقوى..
3. ما كلُّ الناس ضعاف, وفيهم من تهزه الكلمة, ولولاها لما كان للكلمة من أثر في اكتساب مرضاة الله, أو سخطه.
4. إن الكلمات تتراكم في القلوب, وتجلو كثيراً من الصدأ, وكلما ازداد الصدق, والإخلاص..عَظُم رصيدها, واقتربت من أن تتدفق عملاً, وقد قال الإمام الغزالي :
كل عمل تقوم به الجوارح , يترشح منه إلى القلب أثر..(1)
ففي علم النفس الجماعي المعاصر أمر معروف على صعيد دول العالم كلها, وهو تكرير المفاهيم حتى المغلوطة منها, وملء أسماع الناس بها ليلاً ونهاراً؛ حتى تدخل في عقولهم, وتؤثر في نفسياتهم, وتغير سلوكهم, وتحكم أعمالهم..
فإن كان هذا يؤثر وترى نتائجه, وربما يكون باطلاً, فما بالك بكلام:
من معين القرآن.. يُستمد ويُستقى.
ومن حديث رسول الله .. يرتوي.
منقول
دمتم في حفظ الله ورعايته...